أحاول أن أتجاوز حزنا لم يكن وتجنبت النظر إلى القمر هذه الليلة في طريق العودة.. وعندما عدت إلى جحري الضيق تفاديت النظر من الزاوية المواجهة للنافذة وأصبحت في أمان قياسي مقارنة بليلة الأمس.. ونجحت مناورتان ذكيتان في تفادي انقلابي عن الوتر الذي أمشي فوقه منذ شهور وأشعر الآن أنني قد أستمتع إلى الأبد بذلك الفعل القاطع المستديم في باطن أقدامي الستة.. وصبرت على أعمال ثلاثة من أبناء القحاب وأفكارهم تجاهي التي أقرأها بسهولة واحتسبت حسنات الصبر ورأيتها بعيني رأسي وهي تسير بيضاوية زرقاء كحبات الفياجرا لتمطر فوق ميزان حسناتي.. وتحملت نظرة باردة وفضلت أن أكون أنا الدفء المقابل.. ولم أنس أن أبصق للمرة السبعين بين صفحات كتاب يحمل عنوان التعادلية كتبه توفيق الحكيم وانتهى في المكتبة الكئيبة بالصالة البحرية.. والتصق أغلب صفحاته ببعضه من تجارب برود-دفء سابقة.. اتفووووه.. وتذكرت قصة حب قديمة وأنا أسير برفق فوق رافعة السيفون وأرى قصص الأمس تدور مع دوامات الماء وتنطلق بسعادة لأول مرة إلى بالوعة نسيان كامنة... دعوني أبدي إعجابي العميق بنفسي هذه الليلة.. فنادرا ما أصل إلى هذه الدرجة من الصفاء.. وعندها أشعر أن الكون قد اتسع عن براح أعيش فيه حرا طليقا وأن النور ينضح من وجهي لدرجة لم يسبق أن داعبت طموح البدر.. وأشعر أن الكراهية والحقد في قلبي قد أصبحتا محددتين في عدد لا يذكر من الأشخاص... وأن الحب يعوض ما فات من الكراهية.. فأحب حتى ذرات الغبار التافهة التي تحيط ببراحي الملائكي المحيط.. أشعر أنني أجمل صرصار في العالم عندما لا يراني أحد.. أشعر أنني أكثر وضوحا عندما ألوي عنقي إلى الوراء فلا أرى غير ظلي.. أشعر أنني أكثر خفة عندما أتسامح مع مخلوقات لم يحرم حتى خالقها التفكير في إبادتها بالأسلحة الكيماوية كأضعف الإيمان.. وأشعر أنني مقدم على حلقة عجيبة من حلقات التسامح.. ولن أتعجب إذا أنجبت الأيام القادمة شبشبا جديدا يصب في رأسي المستطيل صفحة جدية من صفحات الحكمة.. والخفة.. والحب.. والتسامح
.
.