Saturday, March 13, 2010

يوميات صرصار سعيد



أحاول أن أتجاوز حزنا لم يكن وتجنبت النظر إلى القمر هذه الليلة في طريق العودة.. وعندما عدت إلى جحري الضيق تفاديت النظر من الزاوية المواجهة للنافذة وأصبحت في أمان قياسي مقارنة بليلة الأمس.. ونجحت مناورتان ذكيتان في تفادي انقلابي عن الوتر الذي أمشي فوقه منذ شهور وأشعر الآن أنني قد أستمتع إلى الأبد بذلك الفعل القاطع المستديم في باطن أقدامي الستة.. وصبرت على أعمال ثلاثة من أبناء القحاب وأفكارهم تجاهي التي أقرأها بسهولة واحتسبت حسنات الصبر ورأيتها بعيني رأسي وهي تسير بيضاوية زرقاء كحبات الفياجرا لتمطر فوق ميزان حسناتي.. وتحملت نظرة باردة وفضلت أن أكون أنا الدفء المقابل.. ولم أنس أن أبصق للمرة السبعين بين صفحات كتاب يحمل عنوان التعادلية كتبه توفيق الحكيم وانتهى في المكتبة الكئيبة بالصالة البحرية.. والتصق أغلب صفحاته ببعضه من تجارب برود-دفء سابقة.. اتفووووه.. وتذكرت قصة حب قديمة وأنا أسير برفق فوق رافعة السيفون وأرى قصص الأمس تدور مع دوامات الماء وتنطلق بسعادة لأول مرة إلى بالوعة نسيان كامنة... دعوني أبدي إعجابي العميق بنفسي هذه الليلة.. فنادرا ما أصل إلى هذه الدرجة من الصفاء.. وعندها أشعر أن الكون قد اتسع عن براح أعيش فيه حرا طليقا وأن النور ينضح من وجهي لدرجة لم يسبق أن داعبت طموح البدر.. وأشعر أن الكراهية والحقد في قلبي قد أصبحتا محددتين في عدد لا يذكر من الأشخاص... وأن الحب يعوض ما فات من الكراهية.. فأحب حتى ذرات الغبار التافهة التي تحيط ببراحي الملائكي المحيط.. أشعر أنني أجمل صرصار في العالم عندما لا يراني أحد.. أشعر أنني أكثر وضوحا عندما ألوي عنقي إلى الوراء فلا أرى غير ظلي.. أشعر أنني أكثر خفة عندما أتسامح مع مخلوقات لم يحرم حتى خالقها التفكير في إبادتها بالأسلحة الكيماوية كأضعف الإيمان.. وأشعر أنني مقدم على حلقة عجيبة من حلقات التسامح.. ولن أتعجب إذا أنجبت الأيام القادمة شبشبا جديدا يصب في رأسي المستطيل صفحة جدية من صفحات الحكمة.. والخفة.. والحب.. والتسامح

.

Monday, December 14, 2009

ذاكرة الاحتراق

أتناول فنجان قهوتي الصباحية عن الطاولة
تقفز إلى خياشيمي رائحة البن المحترق.. ذلك الاحتراق الذي يكسب القهوة الأمريكية هذا الطعم الرخيص الذي أعتبره أفضل عبير للقاء اليوم القادم
اكتشفت هذا الصباح يا حبيبتي أنني أحب رائحة القهوة أكثر مما أحب طعمها
اكتشفت أيتها العزيزة أن رائحة القهوة التي أتيتني بها ذلك اليوم لم تفارقني.. واكتشفت أنك تسكنين كل الروائح في حياتي.. وتدخلين مع رائحة البن المحترق والسجائر المحترقة إلى شعري وإلى ملابسي وإلى أثاث غرفتي فتصبحين يا حبيبتي جزءا من ذاكرة المكان والزمان وجزءا من ذاكرة الاحتراق
ما أصعب أن تسكن امرأة مثلك قدح القهوة اليومي.. ما أصعب أن تقيم امرأة مثلك في عادتي التي لا تنقطع.. ما أصعب أن تختلطي بطعم التبغ في لساني وتزاحمي بكل ما فيك من نكهة خارقة طعم نكهة بداية الصباح
وتعيدين تعريف الفارق بين المعتاد والمدمن

تذكرة ذهاب إلى مدريد بلا عودة


حبيبتي لقد حزمت أمري وحزمت أمتعي واتخذت قراري
أنا قادم إليك في مدريدلم تعد سماء القاهرة قادرة على تحمل زفراتي الليلية.. وضجت المدينة المزدحمة الملوثة بما في صدري من دخان
لم أكن أتصور أن عاما واحدا يفصلنا يمكن أن يكون بهذا الطول
ولا أن يكون الزمن خلاله بهذه الكثافة
عام واحد اتفقنا أن يكون فرصة لكل منا كي يكتشف بنفسه كيف يمكن أن تنمو جذور الحب كالصبار دونما دافع ودونما هدف.. وكي يقيس كل منا بجسده وببهجة السقوط عمق الهاوية التي تفصلنا.. وكم كنت ساذجا عندما تصورت أن العام ممكن.. وكم كنت ساذجة عندما تصورت أن مئات الشموس تمر عليك وحدك ومئات الأقمار تمر علي وحدي دون أن تنهار قدرة أينا على المقاومة.. ودون أن أنزع قميصي عني وأرمي بنفسي إلى البحر وآتيك سابحا إلى مدريد.. ولعلي سألقاك في منتصف الطريق
هاهي مقاومتي تنهار يا حبيبتي وهأنا استسلم لأول موجة اكتئاب ووحدة تضربني.. وهأنا أضع بإهمال كل ما أملك من فتات الحياة في حقيبة الظهر وأضع نظارتي الشمسية وكتابا كنت قد اشتريته ولم أستطع قراءته وحدي وأنتظر أن تقرأي لي منه كعادتك فصلا قبل النوم.. وأحضرت لك من القاهرة بعضا من طعم الزحام وقلادة فضية صنعتها بنفسي كما تحبين.. وحزمت كذلك أوراقنا وأقلامنا الملونة.. فأنا قد نسيت كيف أرسم منفردا وأنوي حين أصل إلى مدريد أن نستعيد جلسات الطفولة الشمسية حيث نلقي الألوان على الورق حسبما اتفق ودون تخطيط
ولنصنع لوحاتنا النادرة ونوقعها كالعادة معا بالأحرف الأولى
أنا الآن أسود لك رسالة أخيرة قبل أن أنطلق في طريقي إلى المطار بعد ان اشتريت لنفسي بطاقة سفر ذهاب بلا عودة.. لقد حزمت أمتعتي يا حبيبتي وقررت نهائيا أن أبقى إلى جوارك في مدريد أو في الصين أو حتى في القمر.. فحياتي بدونك رمادية لا لون لها

تجربة فاشلة للاستقلال عن عينيك


بالأمس يا حبيبتي أجريت تجربة مهمةبالبحث العلمي كيف يمكن أن أنتزعك من حياتيلا تجزعي يا حبيبتي فلست أدرس الخيار المخيف.. ولكنني كنت أسعى في أغوار نفسي بحثا عن شيء يمكن أن يستقل عنك.. عن أي شيء يمكن أن يأتي عليه نهار جديد دون أن تدق أجراسه ابتهاجا بقدومك النادركنت أستمع صباح اليوم إلى واحدة من أغنياتنا المشتركة.. تلك الأغاني الي أعادت لقاءاتنا كتابة كلماتها على قياس قصتنا الرائعة.. وفكرت إذا ما أتى يوم لا أجدك فيه، كيف يمكن أن تستحضرك الأغنية
يا رفيقة العمر لقد أصبح العمر بعدك مختلطا بعطرك كما عطرك يختلط بقمصاني فلا ينفصلان
أصبح الأمر موازيا للمستحيل أن أمسح عن ذاكرتي بعضا من أحمر الشفاة كما كنت أمسحه عن شفتي
ما أسهل أن تزيلي عن جبيني المرهق بعضا من غبار السفر، وكم صعب أن تزيل بحار العالم أيا من غبار رحلتنا الطويلة القصيرة..يا صغيرتي الأثيرة، نحن ما عدنا ننفصل، وأصبح اختلاطنا تحديا أمام كل محاولة يحملها الغيب في رحمه القذر.. أصبح اختلاطنا حياة مستقلة تسكن ما كانت يوما ما حياتي الخاوية.. أصبح اختلاطنا قدرا يخرج لسانه لأقدار التذويب والفصل والتفريق.. وأصبحت أنت يا حبيبتي الحقيقية.. يا حبيبتي الصادقة والأبدية الثابت الوحيد في المعادلة، وكل ما في حياتي يدور، راضيا، حولك سعيدا بفلكه المميز
بالأمس أيضا جربت أن أقضي يوما دون أن أتذكرك، فقط من باب الممارسة.. هل تصدقين يا حبيبتي أن اليوم مضى وأنا أبحث في زوايا الذاكرة عن مساحة بيضاء أختفي فيها من حضورك؟؟ وفشلت التجربة
كان الأمس يوما عالميا للفشل وكم كنت سعيدا أنني اكتشفت كيف تستحيل حياتي بدونك
فبعدك يا حبيبتي لا حاجة لي بالأغنية ولا بأحمر الشفاة ولا العطور.. بعدك يا حبيبتي لا حاجة لي بالحياة

فراغك الذي لا يملأه النوم

عندي وجع جديد في صدري هذا الصباح.. لم أقم من فراشي وأواصل التقلب وأعيد التفكير في جدوى اسطوانية جسدي.. شربت ذبالة قهوة بقيت من الأمس إلى جواري
لا حاجة للإفطار اليوم.. لا أشعر بعد شهرين مضوا على سفرك البعيد بضرورة حقيقة للإفطار.. أدور دورة طولية في الفراش وأضع الحشية التي ضاعت في الشراشف البيضاء بين ذراعي.. واستنشق فيها رائحتك الغائبة وعندما لا أجدك
استلقي على ظهري كلية واتطلع إلى الشباك الذي وقفت عليه عصفورة تنقر على الزجاج بقايا من قلبي
ذبلت على الشباك نبتتك الصغيرة.. قلت لك يا حبيبتي.. هذا ليس موسم الحناء.. فخصبها طفولي في مطلع الشتاء.. أفضل أن أتركها جافة عن أن أكون أنا قاتلها.. زهورك أيضا على صيوان المكتب ذبلت وكنت قد كتبت بها رسالة عن أسرتنا الكبيرة.. لم يبق بينها سوى الزهرة الكبيرة البيضاء.. حبنا.. ما زالت صبية كما كانت أول يوم يبدو أنني قررت أن أبقى في الفراش حتى الظهيرة وربما بعدها.. والنوم يأتي قريبا ولا يطرق بابي بجدية تستحق الاستجابة.. ووحدي يا حبيبتي لا أجد كلاما أقوله.. وأواصل التحديق في فراغ الغرفة دون هدف حتى تتكاسل عيناي في النهاية وتحط بسلام على زهرتك البيضاء الكبيرة فأبتسم

رسالة نسيناها على الطاولة

حبيبتي الغالية، فجأة يا حبيبتي أصبح الهواء كثيفا كالزيت وأصبح التنفس عبئا، وأصبحت أحس انني أحمل على كتفي ألف عام وأن الشيخوخة تزحف حثيثا إلى رأسي وتجفف فيه الأفكارتعرفين يا حبيبتي أنك انت ملهمتي، ولعلك تلاحظين سوء الأسلوب واللغة في رسالتي تلك.. فأنا أقل كثيرا من حالتي حينما لا تكونين جواري
آه لو تعرفين كيف تعاندني عقارب الساعة وكيف تخرج لي لسانها الرفيع كلما انتزعت منها تكة أو انتزعت مني تكة..أكتب إليك اليوم أصف كيف الحياة بدونك تكون رمادية، أكثر مللا من ساعات السجن، وأكثر إحباطا من الصباحات الشتائية التي لا تطلع فيها الشمس
مضى يومان كاملان ولم أرك، وفقد الاشتياق لذته التي يضخها في عظام الظهر والصدر والأكتاف، وتحولت اللذة إلى ألم دافئ يخنق القلب في موضعه ويحرمه من متعة الاستقرارساءت أخلاقي كثيرا في اليومين الماضيين.. وبدأت أدخن وكأنني قطار بخاري يسابق رقما قياسيا في الاحتراق
بالأمس تذكرت مربعا معينا في وجهك بطول وعرض بوصة واحدة.. الله كم تصبح البوصة الواحدة برحابة السماء وكيف تتحمل كل هذه التفاصيل .. وضعت قبلة وجلة فوق هذا المربع قبل أن أعيده ملفوفا في كيسه المخملي إلى ذاكرتي الدائمة وأعود منها بمربع آخر أدرس عليه مقدمة في علم جغرافيا المحيطات
بالأمس أيضا صنعت بنفسي قهوة الصباح.. وكنت قلت لك إنك تسكنين عادة القهوة الصباحية.. وإنك مشرشة في فصولها البنية وبين أنسجة الإفاقة والصحو.. وللمناسبة.. لم يكن للإفطار طعم بدونك انت رائحة الخبز الطازج.. ولولاك لألغي الإفطار
لا تظني أنني أعاتبك على الابتعاد.. أنا فقط أرسل لك حصتك اليومية من ثرثرتي التي لا تتوقف معك أبدا حتى لو اضطررت أحيانا لإعادة نفس الحكايات التي كنا رويناها.. وها أنت تقرأين الآن كما كنت تسمعين.. وأكاد أرى الابتسامة كما هي على وجهكانتظر خطابك يا حبيبتي على أحر من قلبي.. أكتبي اي شيء .. أكتبي كل شيءحدثيني كيف تكون أيامك بدوني.. وكيف ساءت علاقتك بعقارب الساعة وكيف تذكرين وجهي الغائب وكيف تغيرت لديك عادات الإفطار والتدخين والقهوة

رائحة الحياة


حبيبتي لي زمان لم أكتب إليك
ربما مر شهر على رسالتي الأخيرة.. وكلما فكرت في الكتابة إليك.. بحثت عن تلك الكلمات التي يمكن أن تنسج لك رسالة استغفار
فكرت صباح اليوم أن أكتب لك قصيدة.. ثم عدت وتراجعت
لماذا تحتاج قصيدة مثلك إلى قصيدة
حبيبتي..أشعر أن كلماتي تتناقص.. وأن قدرتي على الخيال تتناقص.. وأن قلبي في صدري يشيخ .. وأنني أموت صباح كل يوم مرتين
وتصوري كل ما حولي هنا أيضا يموت.. ولم تعد لخبز الصباح الطازج رائحة ولم تعد للبحر ولا للمطر رائحة والزحام يعاني الوحدة.. وصدح الشوارع أهدأ من القبور
ولا أحرز تقدما في العمل
فلا أنا ولا شيء يا حبيبتي يمكن أن يحيا بعيدا عنك